نتذكر الأزمة في مينمار، حيث في العشرين من يونيو يحتفل العالم باليوم العالمي للاجئين، الذين يواجه معظمهم مستقبلاً مجهولاً. ونستدعي من الذاكرة اليوم أزمة ميانمار منذ عام ٢٠١٧ واندلاع أعمال العنف فيها، قرابة المليون شخص من الروهينجا قاموا بالنزوح داخليًا بينما فر أكثر من ٨٨٠ ألفاً إلى بنغلاديش، لقد تركوا كل شيء وراءهم وفروا من العنف صاروا بين ليلة وضحاها بلا أدنى مقومات الحياة.
وقد قطعوا مئات الأميال سيرًا على الأقدام لأيامٍ عدة أيام دون طعام أو ماء، منهم الكبار ومنهم الأطفال، واصلوا المضي حتى يصلوا إلى بر الأمان، وبعد أميال وصلوا مستنزفين يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة بعد ما مروا به.
يقع مخيم كوتوبالونغ في منطقة كوكس بازار ويعد الآن أكبر مخيم للاجئين في العالم. يأوي المخيم 600 ألف لاجئ فروا من التمييز وانعدام الجنسية والعنف في ولاية راخين بسبب الأزمة في ميانمار.
تصحبنا صوفيا- 28 عام- وهي واحدة من اللاجئين بالمخيم عبر رحلتها فتحدثنا عن حياتها قبل اللجوء قائلة: على الرغم من تواضع المعيشة التي كانت لدينا لكني كنت سعيدة وبعد كل ما مررت به أدركت أن الشخص لا يدرك حجم النعمة التي كان يتمتع بها إلا بعد أن يرى نقيضها ويفقدها”. وتتابع صوفيا عن حياتها فتخبرنا أنها أصبحت أمًا في عمر صغير فقد رزقت بمولودها الأول وهي في الخامسة عشر فقط حين كانت تعيش في مسقط رأسها ارازيدوم سيروا في أغادونغ موني. ورغم صعوبة الحياة لكنها كانت ممتنة لذلك. وفي العام 2013، تحولت حياتها إلى كابوس خلال الأزمة في ميانمار حسب قولها.
عام 2013 هو الأسوأ بالنسبة لصوفيا حيث تحول كل شيء بين ليلة وضحاها عندما استيقظت صوفيا على شاحنة تحمل رجال العصابات الذين اقتحموا بلدتها ودمروا كل شيء فيها وأحرقوا المنازل، واغتصبوا وعذبوا وخطفوا من وجدوه في القرية.
تقول صوفيا عن هذا الكابوس:
“أرتجف عندما أتذكر ما حدث، عندما قتلوا الناس بوحشية، أتذكر لحظة قتلهم لوالدي دون رحمة، عذبوه ودمروا إحدى عينيه وقطعوا إحدى رجليه. شعرت بالعجز وأنا أراقبهم وهم يفعلون ذلك بأبي، لكن ماذا يمكنني أن أفعل؟! لقد تملك مني الخوف حتى جعلني مشلولة.
“كنا في نعيش في أزمة ميانمار لمدة 4 سنوات، حتى عادوا. هذه المرة، قاموا بقتل زوجي وطفلي.” لم تستطع أن تكمل صوفيا رواية تفاصيل الأحاديث، منعها ألم الذكرى من إكمال الحديث.
تحكي لنا صوفيا وهي تبكي عن محاولة هروبها والنجاة: “كان الهروب كابوساً حقيقيا نعيشه، هربنا سرًا في الظلام بينما كنا نشاهد منازلنا تحترق فقد تحولت القرية بأكملها إلى مدينة أشباح، هربت إلى الغابة المجاورة واختبأت لمدة 5 أيام دون طعام ولا ماء. استطعت النجاة من القتل لكني كدت أموت من الجوع، وكل صوت اسمعه يخيفني معتقدة أنهم قبضوا علي في نهاية الأمر والآن سأُقتل مثل عائلتي.”
رغم نجاة صوفيا من الأزمة في ميانمار لكنها لم تسلم من الأذى، تعرضت صوفيا للطعن بوحشية في الهجوم، لكنها ولحسن الحظ تمكنت من الفرار بالرغم من الإصابات التي لحقت بساقيها، بعد المآسي التي عاشتها صوفيا لم تجد بديلًا آخر لتنقذ حياتها سوى الفرار من البلاد.
بعد محاولات مميتة نجحت صوفيا من دخول بنغلاديش مع آلاف اللاجئين الآخرين الفارين من ميانمار في سبتمبر 2017. حيث لجأت إلى معسكر كوتوبالونغ، أوخيا، وكوكس بازار.
على أمل أن تجد السعادة حاولت صوفيا مواصلة حياتها فتزوجت صوفيا في العام التالي مرة أخرى لكن للأسف تخلى عنها زوجها الجديد وهي حامل بطفلهما، لكن صوفيا لم تستسلم بل كافحت لتربية طفلها في خيمة بمخيم للاجئين، ومع انتشار وباء كوڤيد-١٩ الذي اجتاح العالم تفاقمت ظروفهم المعيشية السيئة. تتابع صوفيا قائلة:
“لقد مررت بلحظات يأس وعجز شديد، كنت ألوم نفسي دائماً في كل ما كنا نمر به وأشعر بالتقصير الدائم، لقد وصلت إلى مرحلة سألت الله عن سبب حدوث كل تلك الأشياء السيئة لي دائماً؟ كم عدد الاختبارات التي يجب على اجتيازها؟ كان اكتئابي يخرج عن السيطرة في بعض الأحيان، لكني كنت أقاوم وأتمالك نفسي من أجل طفلي. بعدها تحسنت قليلا.”
تتلقى صوفيا إضافة إلى لاجئين آخرين الدعم اللازم من قبل الحكومة في بهاشنشار. إضافة إلى المساعدات التي تقدمها الإغاثة الإسلامية هناك. حيث تقوم الإغاثة الإسلامية بتزويد اللاجئين بطرود غذائية شهرية تتكون من الأرز والعدس وزيت فول الصويا والبصل والسكر والملح والثوم والبطاطس والتوابل.
تضيف صوفيا قائلة: “هذا العام أتى رمضان والعيد وهي المرة الأولى التي لا أشعر فيه بالقلق حيال إطعام طفلي منذ وصولي إلى بنغلاديش. عبوات الطعام والغذاء أنقذت حياتنا وأنا ممتنه للغاية للإغاثة الإسلامية والدعم الذي قدمته لي ولطفلي، أريد أن أعبر عن حبي وأشكر جميع المتبرعين والأشخاص الذين دعمونا، لقد أنقذتمونا بتبرعاتكم ولطفكم.”
منذ فبراير 2021 يتم توفير الاحتياجات الأساسية للاجئين في المجالات الأساسية التي توفرها الإغاثة الإسلامية مثل تقديم الدعم الذي ينقذ ويساهم في تغيير الحياة، ولا سيما حياة الأطفال، الحوامل، كبار السن وذوي الإعاقة، وكل الفئات الأشد ضعفاً. كما توفر الاحتياجات الأساسية السريعة للاجئين القادمين حديثًا مثل الأغطية والأسرّة والخيام وغيرها من المستلزمات الأساسية، إضافة بالطبع إلى الغذاء الأساسي والغاز لطهي الطعام.
في البدايات استطعنا إيصال الدعم الشهري إلى 2000 أسرة، مع حلول ديسمبر 2021 ارتفع العدد إلى 3500 أسرة، وبالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي يتم تقديم الدعم الغذائي للأطفال، الحوامل والأمهات المرضعات في كوكس بازار، إضافة إلى دعم وتوفير الاحتياجات الإنسانية الأساسية للعديد من عائلات الروهينجا عبر حفر الآبار وبناء المراحيض والملاجئ والصرف الصحي.
لقد عانى الروهينجا لسنوات عديدة بسبب الأزمة في ميانمار وما زالوا، ليس لديهم الخيار فلا هم بمقدورهم العودة إلى ديارهم ليعيشوا بأمان ولا يملكون سوى المساعدات التي تقدم لهم ليعيشوا عليها. لذلك وجب علينا مساعدتهم. دعمكم وتبرعكم هو الضمان لتوفير الأمان والعيش الآدمي لهم.
تبرع الآن عبر الإغاثة الإسلامية