بينما تتخطى معاناة الفلسطينيين 300 يوم على بداية الكابوس الذي يعيشونه، يصف أحد موظفي الإغاثة الإسلامية مشاعر الخوف والصدمة وتلاشي الأمل وإليكم ما قاله:
300 يوم في هذا الكابوس. هل يمكنك أن تتخيل شعور الوقوع في حلم مرعب حتى ولو لدقائق معدودة؟! نحن الفلسطينيين في غزة نشعر بذلك طوال الـ 300 يوم الماضية.
لقد قضينا الأيام والليالي نشعر أن الموت قريب منا. كنت أشعر بأن غارة جوية ستدفنني تحت الأنقاض أنا وعائلتي، وأن بيتنا سيدمر في أي لحظة. لقد تعرضت للصدمة، أصبحت مشلولًا من الخوف، وممزقًا خلال هذه الـ 300 يوم الفظيعة. لا أستطيع العمل كإنسان طبيعي. لا أستطيع التنفس بشكل طبيعي!
لا يمكن أن أصف المزيد عن الفظائع التي عشناها في هذا الوقت، مهما استخدمت من كلمات، أفشل في وصف الوضع هنا في غزة. إنه وضع يفوق الفهم!
قصة محمد بهار من أحدث القصص المؤلمة التي عاشتها غزة والعالم معها، صاحب الجملة الشهيرة “خلاص يا حبيبي!”. وهو يربت على رأسه؛ كان محمد يخاطب كلبًا قتاليًا أطلقه الجيش الإسرائيلي على منزل عائلته بعدما أُجْبِروا على مغادرة المنزل، في الوقت الذي كان الكلب ينهش فيه جسد محمد.
محمد شاب مصاب بالتوحد ومتلازمة داون، كان ممن تكفلهم الإغاثة الإسلامية منذ كان رضيعًا. لم يكن قادرًا على فهم ما يحدث تمامًا من حوله. توفي محمد متأثرًا بجراحه وظلت جثته الملطخة بالدماء على الأرض؛ إلى أن وجدتها عائلته المحطمة عندما تمكنوا من العودة في النهاية. يا اللهّ! لا أستطيع تخيل كيف شعرت والدته وهي تنتظر انسحاب الجيش من المنطقة، وهي تعلم أن محمدًا كان وحده، ولا تدري إن كان حيًا أو ميتًا!
– ما أكثر القصص المؤلمة والمؤثرة هنا! على سبيل المثال، تعيش أخت زوجتي في مخيم البريج للاجئين. طُلب من عائلتها الإخلاء، أن يذهبوا إلى أي مكان. هذه هي المرة الثالثة أو الرابعة التي يضطرون فيها للانتقال. الأمر صعب جدًا عليهم، فقد فقد والد زوجها ساقه في غارة جوية، وتعاني والدتها من مشاكل في القلب.
لا يعرف الناس ماذا يأخذون معهم. كيف يختارون بين الذكريات والملابس والممتلكات؟! الجميع تعب من إعادة بناء حياتهم مرة بعد مرة ويتمنون الراحة. هذه الحرب ليست حربًا بين جيوش تقاتل بعضها البعض، إنها حرب تُشن ضد الناس! تهاجم طعامهم ومأواهم ومصادر المياه والملابس والدواء!
– على مدى الـ 300 يوم الماضية، شهدنا أشد الظروف قسوة؛ أطفالي فاتتهم سنة دراسية كاملة، مدارسهم دمرت، إلى متى سيُحرم أطفالي من التعليم؟! شاهدت للتو مقطع فيديو لمدرسة تم تفجيرها بالديناميت! لماذا؟!
– ماذا عن الخدمات الصحية؟ والد صديقي يعاني من مشكلة في الدم، لكن الأطباء لا يمكنهم تشخيصه لأن الأجهزة المستخدمة في الخزعات غير متوفرة في غزة. لا يُسمح لأحد بمغادرة غزة للعلاج، كما لا يُسمح بدخول الإمدادات الطبية. يواجه الرجل حكمًا بطيئًا بالإعدام يتأجل فقط عن طريق علاجات مؤقتة مؤلمة بينما ينتظر التشخيص بفارغ الصبر!
الجيش الإسرائيلي يحرم الناس عمدًا من الرعاية الطبية، ويحرمون الناس عمدًا من الطعام في الشمال، ويمنعون اللقاحات من الدخول إلى غزة حتى ينتشر شلل الأطفال! ويمنعون العائلات عمدًا من الحصول على الماء! أخشى أن غزة لن تتعافى أبدًا من 300 يوم من الحزن والصدمة.
لقد فقدت الثقة في هذا العالم الذي يسمح بحدوث كل هذه الفظائع والظلم. لقد بدأت أفكر أن الموت سيكون الفرصة الوحيدة للراحة! أنا آسف لجميع من يقرأ لأنني أشارككم كل هذا الحزن والبؤس. لكنني لا أستطيع كتابة أي شيء جيد عن حياتنا في غزة الآن.
نحن أناس نحب، نضحك، نلبس، نخرج، ونحاول مساعدة من يحتاج إلى المساعدة، لكننا محطمون من الداخل. نحن مصدومون ومتضررون بشكل لا يمكن إصلاحه!
حتى لو توقفت الحرب الآن، لن نكون أبدًا كما كنا! كما قلت لزوجتي، حياتنا القديمة ذهبت إلى الأبد. قلت لها إنني بدأت أنسى الروتين اليومي الذي كان مألوفًا قبل أكثر من 300 يوم. لقد نسيت متى كنا نستيقظ في الصباح. لا أتذكر عطري ولا ملابسي المفضلة. تذكرني زوجتي: “كان لديك قميص أخضر يبدو عليك جميلًا” لكنني لا أتذكر ذلك! لا أتذكر المطاعم التي كنا نحبها، الأماكن التي كانت تبيع الطعام الشهي.
انتهى كلام موظف الإغاثة الإسلامية، ونحن نسأل: هل مع كل هذه الآلام التي لا تظهرها عدسات المصورين، ولا تصفها الكلمات مهما حاولت، يمكن أن نقف متفرجين؟!
*تم إخفاء هوية هذه المدونة لحماية سلامة وأمن زميلنا وكل المذكورين فيها.