يوضح الدكتور محمد كروسين رئيس وحدة التمويل الصغير في الإغاثة الإسلامية كيف يساهم التمويل الصغير في تخفيف المشاكل الاقتصادية المرتبطة بتفشي جائحة فيروس كورونا.
في غضون بضعة أسابيع، عاشت الصين أوقاتًا عصيبة ومفزعة بسبب تفشي فيروس كورونا، وقد انتشر الفيروس بعد ذلك بسرعة في مختلف أنحاء العالم الأمر الذي استدعي السلطات الرسمية إلى تطبيق الحجر الصحي من أجل احتواء تفشي الوباء. لكن هذه الإجراءات تركت آثارًا ضخمة على الاقتصاد. ولا شك أن الفقراء سواء في الدول النامية أو المتقدمة هم الفئة الأكثر تضررًا في أي أزمة.
فقد يجد أصحاب المشاريع الصغيرة أو المزارعين بشكل خاص أنفسهم بدون نقود تمكنهم من شراء المواد الخام أو البذور نظرًا لشح الزبائن أو صعوبة بيع المحصول في الأسواق.
لكن الوضع الراهن يشير إلى احتمالية تعثر جميع أنواع المشاريع بسبب النتائج الاقتصادية المترتبة على إجراءات الحجر والإغلاق، الأمر الذي ينذر بأزمة اقتصادية على وشك الحدوث. حيث يتوقع بشكل كبير أن تتأثر المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر التي تعد العمود الفقري لاقتصادات الدول الفقيرة من هذا الاغلاق إلى جانب جميع المستثمرين في هذه المشاريع. وقد يتعين في البداية على الرياديين الصغار الفقراء اقتراض المال للبدء أو لتنمية مشاريعهم.
ومن الجدير ذكره أنه ولعقود طويلة يعتبر التمويل الصغير وتقديم القروض الصغيرة أو الاستثمارات من الأمور الهامة والأساسية في تنمية وتطوير المشاريع الصغيرة، ولكن هذا القطاع يواجه أزمة ألا وهي أن المقترضين الفقراء الذي يشهدون انهيار مشاريعهم قد يتخلفوا عن السداد بشكل جماعي.
لا يمكن معالجة هذه الأزمة الاقتصادية وشيكة الحدوث إلا من خلال اتخاذ تدابير اقتصادية قوية تركز على المحافظة على المشاريع كونها مصدر لتوفير فرص العمل وتوليد الدخل. وقد أظهرت دراسة حديثة عن وباء ايبولا أن القطاع غير الزراعي وغير الرسمي في المناطق الحضرية كان الأكثر تضررًا– بشكل أساسي معظم المقترضين من التمويل الصغي عالميًا.
يذكر أن هناك حوالي 140 مليون شخص موزعين في البلدان ذات الدخل المحدود حصلوا على قروض صغيرة، يصل إجمالي هذه القروض إلى 120 بليون دولار أمريكي. وطوال العقود القليلة الماضية، استمر التمويل الصغير يمثل عاملًا أساسيًا في خلق فرص عمل ذاتية وزيادة دخل الأسر وتحسن الحياة بشكل عام.
لكن الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى عجز المقترضين عن السداد ستشمل أيضاً الشمول المالي كتدخل للتنمية وذلك لأن فكرة التمويل الأساسية قائمة على معدلات سداد عالية و إعادة تدوير ثابتة لرأس المال. وقد يتسبب وجود عجز كبير في معدلات السداد في إفلاس العديد من مؤسسات التمويل الصغير بسبب تآكل محفظة القروض وعجزها عن تغطية المصاريف التشغيلية. وقد تلجأ مؤسسات التمويل الصغير إلى اتخاذ قرارات صعبة حتى تحمي أنفسها ويكون أفضل السيناريوهات المتبعة إعادة جدولة أو إعادة هيكلة القروض الحالية وأسوأها تعليق صرف قروض جديدة.
وتكمن الخطورة في أن تقوم بعض الحكومات بفرض تسهيلات للمقترضين ومنحهم فترات طويلة لسداد القروض من غير أن تقوم بتقديم دعم مالي لمؤسسات الإقراض التي لا تكون مرسملة بنفس درجة البنوك.
لذلك من المهم أن تدرس مؤسسات التمويل التنموي متعددة وثنائية الأطراف وجود حزم انقاذ لمؤسسات التمويل الصغير لضمان أن يستمر التمويل الصغير كأداة اقتصادية تنموية تقلص الفقر بدون أن تتأثر بتفشي كوفيد-19. وقد تتضمن هذه الحزم تقديم المنح وقروض بدون تكلفة أو ضمانات للائتمان.
وهذا يسمح لمؤسسات التمويل الصغير والتي قد أرست قواعد الثقة طويلة الأمد في علاقاتها مع الزبائن الفقراء الاستمرار في توفير التمويل للزبائن. وبناء على ما أظهرته أزمة ايبولا، فقد استمر المقترضون بالالتزام بالسداد رغم أن التأخيرات كانت خارجة عن اراداتهم.
وقد يسهل على الفقراء الحصول على الإغاثة والتركيز على إعادة التأهيل والإنعاش من خلال ما توفره الملايين من المشاريع الصغيرة عندما يتم منحهم فترة سداد أطول والعديد من الشروط الميسرة أو من خلال تقديم قروض حسنة. لذلك، عندما يتم توفير حزم الإنقاذ أثناء وبعد تفشي فيروس كورونا، يكون للتمويل الصغير القدرة على تخفيف الآثار الاقتصادية للجائحة ومساعدة المجتمعات الفقيرة حتى تسترد أرضيتها المفقودة.
نشر هذا المقال لأول مرة في Islamic Finance news بتاريخ 15 ابريل 2020