لكلٍّ منا عدد محدود من الأنفاس، سيقضيها في حياته بالعدل والتمام، رزقه مكفول، وحياته مُقدَّرة بمقدار رب العالمين، وكما بدأت، يومًا ما، ستنتهي. ولحظات الموت -نسأل الله حسن الخاتمة- هي لحظات مهيبة، عجز عن تخيلها البشر جميعًا على مدار الأزمان، فهي غيبٌ لنا حتى تفيض أرواحنا ونلقى الله، وهي ألمٌ في قلوب الأحياء الذين فارقوا أحبابًا لهم إلى رحمة الله. لكن رغم صعوبة هذه اللحظات، تظل كتابة الوصية وتنفيذها طبقًا لشرع الله عز وجل أمرًا يُمثِّل تحديًا أصعب لكثيرٍ من الناس.
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ”، أي إنه لا يجوز لمسلمٍ أن يكون عنده متاعٌ أو مالٌ من الدنيا ويمر عليه يومان وهو على هذا الحال ولم يكتب وصيةً في ما يملك.
وفي المجمل، ذهب جموع العلماء من المذاهب الأربعة إلى أنها ليست فرضًا ثابتًا، وإنما قد تأخذ في بعض الأحوال حكم الفرض إذا كان على الإنسان حق شرعي يَخشى أن يَضيع إنْ لم يُوصِ به وديعة، أو إذا كان عليه دَيْن لأحدٍ من الناس وخشي ألا يستطيع رده إليه في حياته. وأحيانًا تأخذ حكم السنة، فيكون في فعلها خيرٌ سيصيب الفقراء والمساكين والأقربين، أو حكم المباح إذا كان الرجل غنيًّا ويود أن يوصي بأملاكه في غير مُحرَّم. وفي بعض الأحيان أيضًا قد تأخذ حكم المكروه والمُحرَّم إذا كانت وصية تُعين على أي عمل غير موافق للشرع أو القانون، أو أي عمل مُحرَّم في ذاته. كما أنها في المجمل توصى للأهل والأولاد والمعارف القريبة، ولأعمال الخير والمؤسسات الإنسانية.
تستقبل الإغاثة الإسلامية عبر العالم الوصايا من متبرعيها حول العالم، فتحرص مكاتبنا الميدانية على تطبيق الوصايا وفقًا لضوابط الشريعة الإسلامية، وعلى تنفيذ تفاصيلها بدقة وإحكام إذا توافقت مع أحكام الشريعة الإسلامية.
ساهمت العديد من الوصايا في كفالة عشرات الآلاف من الأيتام في إندونيسيا وسوريا واليمن وفلسطين والبوسنة وكينيا وجنوب السودان وغيرها من البلدان حول العالم، كما ساهمت أيضًا في بناء آبار المياه وتوفير المياه النقية والمستوى التعليمي الأساسي والغذاء الكريم لعشرات الآلاف من الأُسَر في النيجر وباكستان وميانمار وأكثر من 35 دولة.
وصيتك هي آخرُ ما ستتركه من الدنيا، هي شفيعك الأخير قبل لقاء الله عز وجل، فاجعلها صدقةً جارية تُرضي الله عز وجل وتنفع خلقه أجمعين، وتذكَّر قول رسول الله ﷺ: “خيرُ الناسِ أنفعهم للناس“، وقوله ﷺ: “إنما الأعمال بالخواتيم“.