تتحدث سحر صلاح، إحدى موظفات الإغاثة الإسلامية في اليمن، عن الوضع الصحي الكارثي الذي يواجهه السكان يوميًّا من نقص الأطباء والكوادر الطبية وغياب الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية وانقطاع الكهرباء، مما يعوق تشغيل المستشفيات بالإضافة إلى شح التبرع بالدم، مما يعرض حياة المرضى للخطر. وفي ظل هذا الوضع، يكافح الناس ليس فقط للحصول على الرعاية الصحية، بل حتى لتأمين أبسط مقومات الحياة، مثل القمح والأرز والزيت.
في 29 مارس، بدأت الإغاثة الإسلامية في الاستجابة للأزمة في اليمن. وبحلول 10 أبريل، أطلقنا نداءً عالميًّا طارئًا لجمع 10 ملايين جنيه إسترليني لمواجهة الوضع الإنساني المتدهور بسرعة. لقد أدى التصعيد الأخير في الأزمة إلى مقتل 560 شخصًا، وإصابة ما يقارب 2,000 آخرين، وتشريد أكثر من 100,000 إنسان من منازلهم. ويُحذّر محمد صلاح الدين، مدير مكتب الإغاثة الإسلامية في اليمن، قائلًا: "نحن بحاجة ماسة إلى التحرك الآن، قبل أن نجد أنفسنا أمام كارثة إنسانية حادة". في هذا العام، بدأت الإغاثة الإسلامية في توزيع المساعدات الغذائية في صنعاء، وامتدت إلى محافظات أخرى، لتصل إلى 30,000 أسرة في أمسّ الحاجة إلى الدعم.
في ديسمبر، أطلقت اللجنة البريطانية لحالات الطوارئ (DEC) نداءً إنسانيًّا لدعم اليمن، أحد أكثر النزاعات تجاهلًا في العالم، مما أسفر عن جمع 30 مليون جنيه إسترليني لمساعدة المتضررين. وبصفتنا إحدى أكبر المنظمات غير الحكومية العاملة على الأرض في اليمن، كان لنا دور ريادي في قيادة جهود الاستجابة لهذا النداء الطارئ.
في ظل الأزمة المستمرة منذ سنوات، يعتمد ما يقارب 316,000 أسرة على دعمنا للحصول على الغذاء، والمساعدات الطبية الحيوية، وخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة. ومع اشتداد نقص الغذاء وتفاقم المعاناة، نعمل بلا كلل لإنقاذ الأرواح، حيث قدمنا الدعم الغذائي إلى 17,000 طفل يعانون من سوء التغذية، في محاولة لإعطائهم فرصة جديدة للحياة.
الإغاثة الإسلامية توفر المياه النظيفة للأسر في صنعاء وتعز وصعدة.
ورغم إغلاق جميع طرق الإمداد تقريبًا، نجحنا في إيصال 19 طنًّا من الأدوية المنقذة للحياة. كما واصلنا تقديم المساعدات العاجلة في 18 محافظة، بما في ذلك دعم المستشفيات التي كانت تعجّ بالمرضى.
في يونيو، صنفت منظمة الصحة العالمية (WHO) واليونيسف (UNICEF) الوضع في اليمن بأنه أسوأ تفشٍّ للكوليرا في العالم، حيث تجاوز عدد الحالات المشتبه بها 200,000 حالة. استمر هذا الوباء المدمر حتى عام 2018، وأصاب أكثر من مليون شخص.
في محاولة لإحداث تغيير ملموس، تحدث موظفونا أمام المجموعة البرلمانية البريطانية لجميع الأحزاب حول اليمن، مطالبين بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لإنهاء النزاع. كما دعا مؤيدو أعضاء البرلمان إلى التدخل العاجل لإنهاء معاناة الشعب اليمني.
وسط كل هذه المعاناة، عاش سالم جعفر بوعبيد، أحد عمال الإغاثة في الإغاثة الإسلامية باليمن، مأساة شخصية مروعة. يخبرنا سالم: "كان القصف عنيفًا، وكانت صرخات النساء والأطفال تملأ المكان. أُصيبت زوجتي بصدمة شديدة وفقدت القدرة على النطق لمدة أسبوع. خلال عام واحد فقط، اضطررنا إلى النزوح أربع مرات بحثًا عن مكان آمن. ورغم كل ذلك، واصلت عملي في تقديم المساعدات الإنسانية. كنت أعمل بدعم من الإغاثة الإسلامية، وأبذل كل ما في وسعي لمساعدة زوجتي على التعافي. لكن حالتها تطلبت راحة تامة، وكانت مرعوبة من استمرار القصف. لقد عانت لمدة عامين، ثم رحلت عن عالمنا وسط هذه الفوضى". قبل إغلاق جميع طرق الوصول، نجحنا في إيصال 19 طنًّا من الأدوية لمكافحة الكوليرا. كما نواصل تقديم المساعدات المنقذة للحياة في 18 محافظة، بما في ذلك دعم المستشفيات التي تعجّ بالمرضى.
في يونيو، شهد ميناء الحديدة تصعيدًا كارثيًّا للعنف، مما فاقم المعاناة الإنسانية في البلاد. كان ناصر حاج حامد، الرئيس التنفيذي للإغاثة الإسلامية آنذاك، هناك بنفسه وشهد المأساة بعينيه، يخبرنا: "عندما كنت في مدينة الحديدة اليمنية في يونيو، سمعت أصوات القصف وشاهدت معاناة الناس، أناس مثلنا تمامًا. رأيت رجالًا بالغين يُحمَلون إلى مراكز توزيع الطعام لأنهم كانوا ضعفاء جدًّا لدرجة أنهم لم يتمكنوا من الوقوف، يهذون من شدة العطش والجوع. رأيت نساءً بالمئات يحملن أطفالهن الذين يعانون من سوء التغذية إلى مراكز التغذية، غير متأكدات مما إذا كان أطفالهن سيتمكنون من الصمود ليوم آخر. كنت ممتنًا لرؤية موظفينا يعملون بلا توقف 18 ساعة يوميًّا، سبعة أيام في الأسبوع، حتى يحصل هؤلاء الناس على فرصة للنجاة. رأيت أمامي أكبر عملية إغاثة أطلقناها على الإطلاق، حيث كنا نوفر الطعام لأكثر من مليونَيْ شخص كل شهر من خلال 700 نقطة توزيع، وأكثر من 300 موظف و2,800 متطوع يعملون بلا كلل. رأيت فرقنا تتفاوض للوصول إلى مناطق معزولة عن العالم. رأيت ماذا يعني أن تكون أكبر منظمة إنسانية تعمل في بلد مزقته الحرب. رأيت كيف يمكن أن تشهد الموت، ولكن في الوقت نفسه، تنقذ أرواحًا لا تُحصى".
في ديسمبر، أسهمت جهودنا في المناصرة والدعوة في التوصل إلى اتفاق ستوكهولم، وهو اتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة وأسفر عن وقف إطلاق النار.
يعاني عدنان من سوء التغذية منذ ولادته. ومع ذلك، لا تزال والدته متمسكة بالأمل، قائلة: "أتمنى أن يتمتع أطفالي بصحة جيدة في المستقبل، وأدعو الله أن تتوقف الحرب. إذا كان لدينا طعام أكلناه، وإن لم يكن فعلينا أن نصبر. الأهم هو أن يحصل الأطفال على حليبهم. بالنسبة لنا نحن الكبار، ليست مشكلة إنْ بقينا جائعين. نأكل أي شيء فقط لنظلّ على قيد الحياة".
في يناير، نعت الإغاثة الإسلامية أحد زملائنا في اليمن، الذي قُتل برصاصة طائشة أثناء محاولته إيصال المساعدات الإنسانية. حمدي أبو عبد الله الأحمدي كان قد توقف في ورشة لتغيير إطار سيارته، على بُعد أقل من كيلومتر واحد من مكتبنا. لم يكن يعلم أن هذا الأمر البسيط، الذي يقوم به أي شخص في يوم عادي، سيكلفه حياته.
في ديسمبر، مرّت سنة كاملة على اتفاق ستوكهولم، لكن رغم ذلك، لا يزال العنف مستمرًا، ويواصل موظفونا عملهم في ظروف بالغة الخطورة، واضعين أرواحهم على المحك لإنقاذ الآخرين.
بينما تستمر أسوأ أزمة إنسانية في العالم، يواجه 7.4 ملايين شخص في اليمن خطر المجاعة. ورغم الألم والخسائر، واصلنا الرسالة، لأن كل حياة ننقذها تعني بصيص أمل جديد في وسط هذا الظلام.
من يونيو إلى سبتمبر، تعرض اليمن لثلاثة أشهر من الفيضانات المفاجئة التي أسفرت عن مصرع أكثر من 170 شخصًا، وتسببت في إصابة العديد من الآخرين بجروح خطيرة. كما فقد 300,000 شخص منازلهم ومحاصيلهم وحيواناتهم وممتلكاتهم.
واصلنا تنفيذ برامج إنسانية واسعة النطاق في اليمن، وخصّصنا 7.7 ملايين جنيه إسترليني إضافية في شكل مساعدات طارئة، لكن الاستجابة الإنسانية لهذه الأزمة لا تزال تفتقر بشكل حاد إلى التمويل الكافي من المجتمع الدولي.
في حدث تمويل للأمم المتحدة في يونيو، حذّرنا من أن ست سنوات من الصراع قد دفعت اليمن إلى حافة المجاعة. هذا العام، يعتمد أكثر من 2.3 مليون شخص على طرود الطعام الشهرية أو القسائم التي نوزعها بالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. وحتى مارس، كنا نوزعها كل شهر. وفي أبريل، تقلص التوزيع إلى مرة كل شهرين بسبب خفض التمويل من حكومات المانحين.
خلال جائحة "كوفيد-19"، قمنا بدعم مراكز الحجر الصحي من خلال توزيع مواد النظافة ووجبات جاهزة للأكل. كما عززنا المرافق الصحية ومراكز العزل بتوفير الأدوية، وتدريب العاملين في القطاع الصحي، بالإضافة إلى تقديم حوافز شهرية لهم. في هذه الأوقات الصعبة، كان هدفنا دائمًا الحفاظ على صحة وسلامة المجتمعات، وتقديم الدعم اللازم لمَن هم في خط المواجهة، لأنهم هم الذين يعطون الأمل في الشفاء وسط هذا التحدي الكبير.
استجابة لجائحة "كوفيد-19"، قامت الإغاثة الإسلامية بتوفير معدات الحماية الشخصية لفريقنا، وضمان التباعد الاجتماعي الصارم في جميع مواقع توزيع الطعام، كما قمنا بتعديل المواقع لتوفير رسائل توعية ونقاط تعقيم اليدين.
في أكتوبر، توجه فطين، الأب ذو الـ62 عامًا، إلى نقطة توزيع الإغاثة الإسلامية في صنعاء لجمع سلة الغذاء التي تعتمد عليها عائلته. "كل شهرين، توفر لنا الإغاثة الإسلامية سلة غذائية تحتوي على الدقيق، وزيت الطهي، والفاصوليا، والسكر، والأرز، وكيس من الملح. هذا الدعم يخفف من معاناتنا".
يعتمد نحو 640,000 شخص بالفعل على طرود الطعام المنتظمة والقسائم التي نوزعها بصفتنا أكبر شريك تنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي في اليمن. في أكتوبر، رحَّبنا بزيادة قدرها مليونا جنيه إسترليني من برنامج الأغذية العالمي لتوسيع برنامج المساعدات الغذائية لدينا، حتى نتمكن من تغذية 30,000 شخص إضافي. كما نقدم دعمًا غذائيًّا للأكثر ضعفًا في 150 منشأة صحية و484 نقطة توزيع طعام في جميع أنحاء اليمن.
استفادت أكثر من عشر منظمات محلية في اليمن من إطلاق برنامج الإرشاد المكثف الذي تقدمه الإغاثة الإسلامية. تلقّت كل منظمة خطة تطوير مخصصة، ودورات تدريبية متخصصة، بالإضافة إلى 70 يوم إرشاد جماعي مقدمة من الأكاديمية الإنسانية للتنمية هذا العام.
تستمر الإغاثة الإسلامية في العمل مع الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي لتحسين الوصول إلى مياه الشرب الآمنة للمجتمعات في اليمن، حيث يحتاج نحو 17.8 مليون شخص إلى الدعم لتلبية الاحتياجات الأساسية للمياه والصرف الصحي والنظافة. يهدف مشروعنا المشترك مع الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي إلى تحسين ظروف المعيشة والحد من انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه، بالإضافة إلى مكافحة "كوفيد-19" في محافظة الحديدة، مما يساعد 29,400 شخص على العيش في بيئة أكثر أمانًا وصحة.
في 2 أبريل، نجحت الأمم المتحدة في التفاوض على وقف إطلاق نار، وتمدد لاحقًا ليمنح 6 أشهر من السلام لليمنيين الذين طال انتظارهم للأمان والاستقرار.
تقدم الإغاثة الإسلامية الدعم لـ4 مستشفيات في محافظتَيْ عمران والحديدة لتعزيز الرعاية الصحية المتخصصة وتوفير خدمات طبية عالية الجودة. على مدار السنتين المقبلتين، تمكنت هذه المستشفيات من تقديم الرعاية لـ246,217 شخصًا، وإجراء 1,651 عملية جراحية، مما أحدث فرقًا هائلًا في حياة الكثيرين. بالإضافة إلى ذلك، نجحت جميع المستشفيات الأربعة في تحقيق هدفها المتمثل في توفير الرعاية الصحية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ما يعني أن المرضى باتوا يحصلون على العلاج العاجل متى احتاجوا إليه، بغض النظر عن الوقت أو الظروف.
في عام 2023، قدمنا المساعدة المنقذة للحياة لـ2.6 مليون يمني، بفضل جهود فريقنا المتفاني الذي يضم 300 موظف و3,000 متطوع. هذه هي أضخم عملية إغاثية لنا في العالم.
في يوليو، أدى انهيار مبادرة حبوب البحر الأسود، التي كانت تتيح تصدير الحبوب بأمان إلى اليمن من أوكرانيا خلال الحرب، إلى تأثير كارثي على قدرة العائلات اليمنية على توفير الغذاء. وفي نوفمبر، زاد الوضع سوءًا عندما أعلن برنامج الأغذية العالمي عن تعليق مؤقت لعمليات توزيع الغذاء العامة في شمال اليمن بسبب نقص التمويل، مما فاقم أزمة الجوع التي يعاني منها الملايين.
بحلول 28 نوفمبر، أبلغت الأمم المتحدة أن خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2023 في اليمن لم تتلقَّ سوى 37.5% من المبلغ المستهدف البالغ 4.34 مليارات دولار. هذا النقص الهائل في التمويل يسلط الضوء على الحاجة العاجلة إلى دعم اليمن، حيث لا يزال الملايين يكافحون من أجل البقاء في ظل أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
يناير 2024 شهد تصعيدًا عسكريًّا في اليمن والبحر الأحمر، مما يدفع بعض المنظمات الإنسانية إلى تعليق عملياتها لأسباب أمنية، بينما تعيد أخرى تقييم قدرتها على العمل. ومع ذلك، تواصل الإغاثة الإسلامية تقديم المساعدات المنقذة للحياة للأشخاص الأكثر احتياجًا.
في ظل تفشي الكوليرا الحاد، سجل اليمن 114 حالة وفاة وأكثر من 20,000 إصابة خلال الأسابيع القليلة الماضية. ومع حلول أغسطس، أدت الفيضانات غير المسبوقة والعواصف إلى نزوح عشرات الآلاف من العائلات، وتدمير البنية التحتية الحيوية، مما سرّع من انتشار المرض بشكل خطير.
بحلول ديسمبر 2024، سجَّل اليمن ما يقرب من 250,000 حالة اشتباه بالكوليرا و861 حالة وفاة، مما يمثل 35% من إجمالي حالات الكوليرا في العالم و18% من الوفيات المرتبطة بالمرض.
نحن في الإغاثة الإسلامية نقدم الرعاية والدعم لـ 8,303 من الأطفال الأيتام في اليمن من خلال برنامج كفالة الأيتام الرائد لدينا. ورغم جهودنا المستمرة، لا تزال الحاجة هائلة، حيث يوجد أكثر من 1,000 طفل بانتظار الكفالة.
لقد مرَّ عقدٌ كاملٌ من الأزمة على اليمن، حيث أصبحت المجاعة والأمراض منتشرة على نطاق واسع، بينما أدى الانهيار الاقتصادي الحاد إلى انعدام الفرص أمام الناس لإعالة أنفسهم. في عام 2025، يحتاج أكثر من 19.5 مليون شخص في اليمن إلى مساعدة عاجلة، نصفهم من الأطفال. ورغم هذه التحديات الهائلة، تظل الإغاثة الإسلامية في طليعة الاستجابة الإنسانية، ملتزمةً بدعم الشعب اليمني في رحلته نحو مستقبل أكثر أمانًا وأملًا.